نتأمل قول الحق تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 23].....
ما أكثر الآيات التي تدعو الإنسان للتأمل والتفكر والتدبر، ومن الآيات الكثيرة التي تسترعي الانتباه والتي تلفت الانتباه أن الله تبارك وتعالى يقول: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179]. يقول تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس: 65]. ويقول أيضاً: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور: 24].
مما لفت انتباهي في هذه الآية العظيمة قوله تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا) هذه الآية تؤكد أن مركز الفقه أو العقل هو القلب، وليس الدماغ كما يقول أو يعتقد العلماء اليوم، ولو تأملنا آيات القرآن نلاحظ أن الله تبارك وتعالى دائماً يؤكد أنه هنالك صفات كثيرة للقلب، فمثلاً يقول تبارك وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28] إذاً هنالك خصائص للقلب ومنها الاطمئنان أو الاستقرار ويقول أيضاً: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22].
إذاً القلب يقسو والقلب يطمئن والقلب يخاف أيضاً ويخاف، يقول تبارك وتعالى: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2] هذه الآية تصف لنا صفات المؤمنين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي خافت (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].
يقول أيضاً: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أو آذان يَسْمَعونَ بها فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). والخطاب هنا لأولئك المشككين بكلام الله تبارك وتعالى ورسالته، فهذه الآية تؤكد على نقطة مهمة جداً، أن القلب له عمل، وليس مجرد مضخة كما يعتقد كثير من الأطباء اليوم، فالقلب يمكن أن يعمى (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) والقلب أيضاً يمكن أن يفقه ويعقل (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا). والسؤال: كيف يمكن للقلب أن يعقل؟ وكيف يمكن له أن يتذكر؟ وكيف يمكن له أن يحب أو يكره؟